بسم الله الرحمن الرحيم
القرءان حياة2
ختمة تدبرية من تفسير الشيخ العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى
الجزء الأول:
في قوله تعالى ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] ، تربية الله تعالى لعباده نوعان ، اذكريهما؟
الجواب:
( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الرب, هو المربي جميع العالمين – وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى.
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر. ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.
قوله تعالى :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[سورة الفاتحة5]سبيل السعادة الأبدية ، وضحي ذلك؟
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: ( العبادة ) اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة.
و ( الاستعانة ) هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور, فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة, إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله. فبهذين الأمرين تكون عبادة, وذكر ( الاستعانة ) بعد ( العبادة ) مع دخولها فيها, لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر, واجتناب النواهي.
لماذا كان الدعاء بقوله تعالى :﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ– من أجمع الأدعية وأنفعها؟)
الجواب: قال العلامة ابن سعدي رحمه الله:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾[سورة الفاتحة6] أي: دلنا وأرشدنا, ووفقنا للصراط المستقيم, وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته, وهو معرفة الحق والعمل به, فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان, والهداية في الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته, لضرورته إلى ذلك.
كيف اشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة؟
الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى:
فهذه السورة على إيجازها, قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن, فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة, يؤخذ من لفظ: ( اللَّهِ ) ومن قوله: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) وتوحيد الأسماء والصفات, وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى, التي أثبتها لنفسه, وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه, وقد دل على ذلك لفظ ( الْحَمْدُ ) وهو الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه.
استنبط العلامة ابن سعدي من قوله تعالى:﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ فائدتين ، اذكريهما.
الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى:
﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشُّبَه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة.
(١)- وقال ( هُدًى ) وحذف المعمول, فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية, ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم.
(٢)- وقال في موضع آخر: هُدًى لِلنَّاسِ فعمم، وفي هذا الموضع وغيره ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا، ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر, لحصول الهداية, وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية الانتفاع.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾[الأنفال: 29] فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية, والآيات الكونية.
ولأن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية تامة .
تعقيبا على كلام الشيخ رحمه الله تعالى:
فهذا تفصيل لما أجمل في السورة التي قبلها وهي سورة الفاتحة ، حيث ورد فيها :﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ ، فتبين في سورة البقرة أن هذه الهداية سيوفق لها المتقون ، جعلنا الله منهم.
القرءان ربيع القلوب ، ينزل كالمطر على القلب فيزهر إيمانا ، ولا يكون ذلك إلا بتدبره ، فاللهم أسعد حياتنا بالقرءان.